أمير المجاهدين قتيبة بن مسلم
فاتح الصين الأعظم
مفكرة الإسلام:
هو
البطل المغوار والقائد العظيم ميمون النقيبة وكبير مجاهدي الدولة الأموية
بلا منازع وناشر الإسلام في أقصى ربوع الأرض من ناحية الشرق وصاحب الراية
التي لا تجاوز آي فاتح بعده مكانها، ومدخل الإسلام إلى بلاد الصين، صاحب
الشخصية الجهادية الساحرة التي بهرت كل من رآه، وأسرت نفس كل من سمع
أخباره، من أسلم على يديه الألاف من الكفرة حباً فيه وفي جهاده وشجاعته
الذي انتصر على كل اعدائه، وحطم معابد الشرك والأوثان، ولم يفر أو يهزم في
معركة قط، صاحب الراية المباركة على الإسلام والمسلمين الأمير أبو حفص
'قتيبة بن مسلم بن عمر بن حصين بن ربيعة الباهلي' الذي أثبت بكل قوة ويقين
كيف يكون الإنسان عصامياً وليس عظامياً، وأن وضاعة الأصل لا تؤثر بحال على
صاحبها طالما كان صاحب همة وعزيمة وإيمان راسخ، ذلك لأن قبيلة 'باهلة' التي
ينتمي إليها بطلنا العظيم، كانت من القبائل المرزولة والوضيعة عند العرب
قبل الإسلام، يدلنا على ذلك الحديث الصحيح عندما سأل الأشعث بن قيس رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال 'يا رسول الله أتتكافأ دماؤنا؟ قال نعم، لو
قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك' والرسول صلى الله عليه وسلم لا يهزأ أو يصخر
من باهلة بهذا الحديث ولكن يضرب له المثل بأقرب المعاني والأفكار المتبادرة
عن الشرف والوضاعة، فالإسلام جاء فألغى كل هذه الأوهام والعصبيات القبلية
المقيتة وجعل ميزان التفاضل بين الخلق التقى والعمل الصالح لا الأهل أو
النسب، وبفضل الله ورسوله ودينه ظهرت أمثال شخصية هذا العملاق الجهادي،
الذي لولا الإسلام لم يكن له ذكر ولا ظهور ولا أثر.
ولد قتيبة بن
مسلم سنة 48هـ بأرض العراق، وكان أبوه 'مسلم بن عمرو' من أصحاب 'مصعب بن
الزبير' والي العراق من قبل أخيه أمير المؤمنين 'عبدالله بن الزبير'، وقتل
معه في حربه ضد 'عبدالملك بن مروان' سنة 72هـ، وقد نشأ 'قتيبة' على ظهور
الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للجهاد، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة
الفتن والثورات، لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالجهاد في سبيل
الله لاستغلال طاقاتهم الثورية في خدمة الإسلام ونشر الدعوة، لذلك كانت أرض
العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الجهادية على الجبهة الشرقية للدولة
الإسلامية، وقد اشترك 'قتيبة' في هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى
شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم
'المهلب بن أبي صفرة' وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال فتفرس
فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالي العراق الشهير
'الحجاج بن يوسف الثقفى' الذي كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض
المهام ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح 'المهلب' له، وهل سيصلح للمهمة
العظيمة التي سيؤهله إليها بعد ذلك أم لا؟
رحلة المجد الجهادي
بدأت
رحلة المجد الجهادي لهذا القائد الفذ منذ 86هـ، وذلك عندما ولاه 'الحجاج
بن يوسف الثقفي' ولاية 'خراسان' وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف، لم يكن
المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وكان 'المهلب بن أبي صفرة' والياً على
خراسان من عام 78 حتى 86هـ، وقد رأى 'الحجاج' أن يدفع بدماء شابة جديدة في
قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من 'قتيبة بن مسلم' لهذه المهمة.
سار
'قتيبة بن مسلم' على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات
السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو
التخطيط لرد الهجوم على المسلمين، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع
لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه،
غير عابىء بالمصاعب أو الأهوال التي ستواجهه، معتمداً على بسالته النادرة
وروح القيادة التي امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام.
استراتيجية الفتح الإسلامي
من
ضمن الأباطيل التي يروجها المستشرقون على سيرة الجهاد الإسلامي في الصدر
الأول هو عدم وجود استراتيجية واضحة للفتوحات الإسلامية، يقول المستشرق
'أنتوني نتنج' وهو يجزم بباطله [والحملات بعيدة جداً على أن تكون نتيجة
لتدبير مقصود هادىء، إذ يبدو أنها بدأت كغارات قصد منها أن توجد مخارج
جديدة للروح الحربية التي كانت تسود القبائل، والتي خطرعليها أن تشتبك في
معارك أخوية] وهذه شبهة واهية وباطل يرده أحداث التاريخ، ووقائع الفتوحات
الإسلامية، وما قام به الأمير 'قتيبة بن مسلم' من تقسيم لحملاته الجهادية
خير دليل على بطلان هذه الآراء والشبهات.
قام 'قتيبة بن مسلم'
بتقسيم أعماله لأربع مراحل، حقق في كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً
نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين للأبد:- وهي كالآتي:
المرحلة
الأولى: قام فيها 'قتيبة' بحملته على 'طخارستان السفلى' فاستعادها وثبت
أقدام المسلمين وذلك سنة 86هـ، وطخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان
وباكستان.
المرحلة الثانية: قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما
بين سنتى 87-90هـ وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت
أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانا وأمنعها حصوناً.
المرحلة
الثالثة: وقد استمرت من سنة 91-93هـ، وفيها تمكن 'قتيبة' من نشر الإسلام
وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم 'سجستان' في إيران الآن،
وإقليم خوارزم 'يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان'، ووصلت
فتوحاته إلى مدينة 'سمرقند' في قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً.
المرحلة
الرابعة: وامتدت من سنة 94-96هـ، وفيها أتم 'قتيبة' فتح حوض نهر سيحون بما
فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة 'كاشغر' وجعلها قاعدة
إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام في آسيا شرقا ولم يصل أحد
من المسلمين أبعد من ذلك قط.
الأمير 'قتيبة' وقبائل الأتراك
#
عندما قام المسلمون الأوائل بحركة الفتح الإسلامي في شرق المعمورة كان
هناك نوعان من الأجناس البشرية، القبائل الساسانية أو الفارسية والقبائل
التركية، وكان نهر 'المرغاب' هو الحد الفاصل بين هؤلاء وهؤلاء، وقد تم
إدخال القبائل الفارسية في الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، أما القبائل
التركية فقد كانت أكبر عدداً وأوسع انتشاراً منهم الأتراك الغزية والأتراك
القراخطاي والأتراك القوقازيين والأتراك الأيجور والأتراك البلغار والأتراك
المغول.
# ونستطيع أن نقول أن الأمير 'قتيبة بن مسلم' هو صاحب
الفضل الأول بعد الله عز وجل في إدخال الأتراك شرقي نهر المرغاب وفي بلاد
ما وراء النهر في الإسلام، فقد سحرت شخصيته الجهادية الأتراك فدخلوا في دين
الله أفواجاً حباً في بطولات وشجاعة هذا البطل الجسور الذي رأى فيه
الأتراك الرمز الحقيقي للفضيلة والشجاعة والرجولة، ومعاني الإسلام النقية
المتجسدة في شخصه، وكان دخول هؤلاء في دين الإسلام من أكبر الفتوحات
والانتصارات التي حققها المسلمون وكان لهم أعظم الأدوار في نشر الدعوة في
قارة آسيا كلها، فكان من قبائل الأتراك الغزية مثلاً السلاجقة العظام
والعثمانيون الأبطال والأوزبك الشجعان والمماليك قادة العالم وهؤلاء أدوا
خدمات جليلة لا تنسى في خدمة الإسلام، ومن الأتراك القوقازيين ظهر أبطال
داغستان والشيشان، ومن الأتراك الهياطلة ظهر الغزنويون والغوريون فاتحو
الهند الكبار وهكذا كان ذلك كله على يد من ألقى البذرة الأولى 'قتيبة بن
مسلم '.
خصال الأسد الجسور
لقد كانت شخصية 'قتيبة بن مسلم'
مثالاً حياً وتجسيداً حقيقاً لقيم الإسلام وتعاليمه، وجمع من الصفات
والخصال التي رشحته لأن يكون عملاق الجهاد الاسلامي في هذه الفترة من
الزمان حتى أن مجرد ذكر اسمه كان يلقي الرعب في قلوب أعدائه، والطاعة
الكاملة والمهابة الشديدة في نفوس أتباعه، ومواقفة البطولية، وأيام جهاده
خير دليل على ذلك.
أولاً: غيرته على الإسلام والمسلمين
عندما
فتح 'قتيبة' مدينة 'بيكند' وكانت تابعة 'لبخارى'، صالحه أهل المدينة فجعل
عليهم والياً من المسلمين وترك بها مجموعة من المسلمين لتعليم الناس
الإسلام، فلما رحل عنهم نقضوا العهد وقتلوا الوالي المسلم وجدعوا أنوف من
كان بالمدينة من المسلمين ومثلوا بجثثهم، فلما وصلت الأخبار إلى قتيبة وكان
محاصراً لمدينة أخرى، ترك حصارها وعاد مسرعاً إلى 'بيكند' وحاصرها شهراً
وهدم سورها فحاول أهل المدينة الصلح من جديد ولكنه أبى، فلا يلدغ المؤمن من
جحر مرتين، وأصر على فتحها بالسيف حتى تم له ذلك، فقتل المقاتلين وسبى
الذرية وغنم الأموال، ليرتدع الكفار والخارجون عن مثلها فلا يعودوا لنقض
ذمة المسلمين وعهدهم، وليعلموا أن قطرة دم واحدة من مسلم أعز وأغلى من كفار
الأرض جميعاً، ومن المواقف الرائعة في هذا الفتح التأديبي، أن الذي ألب
على المسلمين وحرض أهل المدينة على نقض عهدهم، رجل كافر من أهل المدينة
أعور العين، وقد وقع هذا الرجل أسيراً بيد المسلمين، فقال لقتيبة [أنا
أفتدي نفسي بخمسة ألاف ثوب حريري قيمتها ألف ألف] فأشار أمراء الجيش على
قتيبة أن يقبل ذلك منه، فقال 'قتيبة' [لا والله لا أروع بك مسلماً مرة
أخرى] ثم أمر به فضربت عنقه، وهذا يوضح مدى غيرة الأسد 'قتيبة' على دماء
الإسلام والمسلمين وحرصه الشديد على أرواحهم وتأديبه القوى لمن يتعدى على
حرماتهم، كما أرسل برسالة واضحة بأن المسلم لا يبغي بجهاده وقتاله سوى وجه
الله عز وجل ونصرة الدين، ولا يريد من الدنيا مالاً ولا متاعاً لأنه
وبمنتهى البساطة قد آثر الآخرة على الأولى، واشترى الجنة بالدنيا.
ثانياً: خبرته بالرجال
كان
الأسد أبو حفص 'قتيبة بن مسلم' من نوعية القادة الذين لا يسع اي جندي يعمل
تحت رايته إلا أن يطيعه، ولا يسع أي خليفة أو والي إلا أن يجعله قائداً
على الجيوش، فهو قائد بالفطرة يعرف كيف يوجه رجاله نحو تنفيذ أشق المهام
التي يستحيل على غيرهم تنفيذها، فهو خبير بقيادة الرجال وتوجيه النفوس
والطبائع البشرية، فلقد علم أن المسلمين يقاتلون وهم بعيدون عن أرضهم
وعيالهم وتشتاق قلوبهم لديارهم وأهليهم، فاستأذن 'الحجاج بن يوسف' والي
العراق في أن يوزع أموال الغنائم على المجاهدين حتى تقوى قلوبهم ونفوسهم
على القتال ضد عدوهم الكافر، فوافق الحجاج على ذلك، حتى كثرت الأموال في
أيدي المجاهدين وصاروا قوة عظيمة لا تقهر بأرض ما وراء النهر.
#
كانت خبرته بالرجال تمتد إلى أعدائه، فيعرف كيف يحاربهم ومتى يهادنهم ومتى
يشتد عليهم؟ وهكذا لا يستطيع أن يخدعه أحد أبداً، ولقد حاول أهل 'بيكند' أن
يخدعوه بواسطة عميل مزدوج كان يعمل لحساب 'قتيبة' أولاً ثم استمالوه أهل
البلد ليفك الحصار عنهم، وكان اسم هذا العميل 'تندر' فحاول خداع 'قتيبة'
وإيهامه بأن 'الحجاج' والي العراق قد عزل من منصبه وأن الأسلم أن يفك
الحصار ويعود مسرعاً للعراق، ففطن 'قتيبة' للخدعة وقتل العميل الجاسوس، ثم
اشتد في حصار البلد حتى فتحها بإذن الله.
وكان 'قتيبة' يعرف كيف
يختار رجاله، ويعرف كيف يشجعهم ويحمسهم في القتال، خاصة في المواقف الصعبة،
ففي أثناء فتح 'بخارى' اشتد الكفار في القتال ضد المسلمين حتى انهزمت بعض
قبائل العرب مثل 'الأزد'، فانتدب 'قتيبة' قبيلة بنى تميم لمهمة في غاية
الصعوبة وهي الأصطدام مع معسكر الكفار الكبير المطل على نهر المدينة وكان
المسلمون قد أحجموا على هذه المهمة المستحيلة، فأحسن 'قتيبة' الأختيار
عندما اختار بني تميم لأنهم أشجع العرب في قتال الأتراك، ثم نادى في باقي
جيشه [من جاء برأس كافر فله مائة دينار] فاشتد الناس في قتال الكفار حتى
فتحت المدينة وكافأ 'قتيبة'بنى تميم أعظم مكافأة على شجاعتهم وبطولتهم في
القتال.
* فلا عجب أن تأسر شخصيته قلوب الكفار قبل المسلمين ويدخل الأتراك في دين الله أفواجاً بل يقاتلوا بني جلدتهم مع قتيبة والمسلمين.
ثالثاً:- إيمانه بالله وتوكله عليه
*
كانت دولة بني أمية معنية طول مدتها بشأن الجهاد في سبيل الله ونشر
الإسلام شرقاً وغرباً، فلم يأت عليها مدة إلا وراية الجهاد مرفوعة وخفاقة
لذلك فقد كان خلفاء بني أمية معنيين بإختيار القادة الأكفاء الموصوفين
بالديانة والشجاعة، كان 'قتيبة' واحد من هؤلاء الذين تغلغل الإيمان بالله
عز وجل في قلوبهم وتوكلوا عليه بالكلية، وهذا يتضح في إقدامه على القتال ضد
جيوش الكفار وإقتحام مدنهم وقلاعهم على الرغم من التفاوت الكبير والضخم
بين القوتين، ذلك لأنه كان متوكلا على الله عز وجل وحده، معتمداً عليه لا
على قوة أو متاع، حتى أن ملك الصين وكان من أكبر من ملوك الدنيا يخاف منه
ويؤثر مهادنته ويرسل إليه بتراب بلاده وأربعة من أولاده وهدايا مهولة من
أجل أن يبر قسم قتيبة أن يطأ أرض الصين ويفتحها، فأي عز هذا؟؟ وأي قوة
إيمانية تلك؟؟ التي تهزهز عروش ملوك الأرض.
* ومن مواقفه الإيمانية
الرائعة التي كانت سبباً لإسلام الكثير من قبائل الأتراك أنه لما فتح مدينة
'سمرقند' وكانت قاعدة ملك الأتراك الهياطلة، اشترط 'قتيبة' على أهل سمرقند
شرطين:-
أولهما: أن يبني في المدينة مسجداً لله عز وجل ويضع فيه منبراً ويصلي فيه ويخطب على المنبر.
ثانيها: أن يحطم أصنام المدينة ومعابدها، وبالفعل نفذ الشرطان.
*
فلما أخذ الأصنام والأوثان ألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت مثل الجبل
الكبير، ثم أمر بإحراقها، فتصارخ أهل المدينة وبكوا، ثم قالوا له [إن فيها
أصناماً قديمة من أحرقها هلك في الحال] فقال القائد المؤمن 'قتيبة' [أنا
أحرقها بيدي فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون] ثم قام إليها وهو يكبر الله عز
وجل وألقى فيها النار حتى احترقت كلها.
رابعاً:- صبره وشدته في المواقف العصيبة
القائد
الحقيقي هو الذي يستطيع أن يصبر في الشدائد بل ويتخذ القرار الصائب وسط
سحائب الشدة والمخاطر، ولقد تعرض الأمير 'قتيبة' لعدة مواقف عصيبة صمد
أمامها كالطور العظيم، وأظهر شجاعة وثباتاً لا يُعلم مثله إلا من الصحابة
رضوان الله عليهم، من هذه المواقف أنه بعد أن فتح مدينة 'بخارى' فر منها
ملكها 'وردان شاه' وراسل ملوك الترك الكفرة الذين كانوا من قبل صالحوا
'قتيبة' فأجابوه ونقضوا الصلح مع 'قتيبة' واتفقوا عليه وحشدوا أعداداً
هائلة من الكفار، وأقبلوا في جيوش جرارة في تحالف وثني على أهل الإيمان،
ووصلت الأخبار للأمير 'قتيبة' فأعد جنوده البواسل بعدما حرضهم وشجعهم على
الجهاد والشهادة، فكشر الأسد عن أنيابه ووثب هو وجنوده على جيوش الكفار في
معركة رهيبة، أبدى فيها المسلمون شجاعة نادرة وبسالة هائلة، فانتصروا على
القوم الكافرين وقتل منهم عشرات الألاف، وحتى يردع الكافرين عن مثلها،
صلبهم على مسافة أربعة فرسخ في نظام واحد، الرجل بجوار الرجل، وذلك في كل
أتجاه من الجهات الأربعة، فلم يقم للكافرين بعدها قائمة.
**
وبالجملة كان هذا البطل من أعظم الفاتحين في الإسلام وصاحب شخصية آسرة،
كانت سبباً في إسلام أمم بأكملها من الأتراك، وكان علم الجهاد المقدم في
الشرق حتى أدخل الإسلام لأرض الصين النائية، ولا يعلم أحد بعده قد وصل
براياته إلى ما وصل إليه من بلاد كاشغر بالصين، فرحمه الله رحمة واسعة وغفر
له زلته التي راح ضحيتها، ويكفي لنعرف مدى شدة هيبة 'قتيبة' في نفوس
أعدائه، شهادة أحد ملوك الأتراك وهو 'الأصبهند' عندما سأل عن قتيبة بن مسلم
ويزيد بن المهلب وهو من ولى العراق بعده أيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟؟
فقال [لوكان قتيبة بأقصى حجر في الغرب مكبلاً ويزيد معنا في بلادنا وآل
علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا وأعظم من يزيد]